[center]لابد من التأكيد على حقيقة أن وسائل الإعلام لاسيما الصحافة سوف تستمر فى موقف المتهم البرىء وموقف القاتل والمقتول معاً حيال أزمات المجتمع المختلفة، فمع اشتداد الأزمات – كما فى أيام الغضب والمظاهرات فى مصر التى انطلقت منذ 25 يناير واستمرت حتى 3 فبراير الحالى- تشتد الحاجة إلى إعادة صياغة مؤسساتنا التعليمية والصحفية والإعلامية وتوحيد الأمة جميعها على قلب رجل واحد لمواجهة هذه الأزمة الحادة التى توشك أن تهدد مجتمعنا ونقضى على مقدراتنا فى سيناريو معد سلفاً عنوانه الفوضى فبقدر ما أن صحافتنا وإعلامنا الحكومى ينجرفان – فى معظم الأحيان – فى مجرى المغالطة والعاطفة والتضليل المتعمد أو غير المتعمد بقدر ما أن المغرضين المضللين يستغلون الموقف ليعلقوا كل نقيصة على شماعة الإعلام والصحافة، فهى أسهل الضحايا – الصحافة - كما قال عنها الكاتب الراحل صلاح الدين حافظ أوطى الجدران.
وتلعب الصحافة والإعلام دوراً مهماً فى صنع الأزمات مثلما تلعب دوراً آخر فى مواجهتها، عملية نقص المعلومات وغياب حرية النقد والتعبير تعوقان الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى عن أداء الرسالة الإيجابية المطلوبة.
وبقدر الكوارث التى شهدتها مصر طوال تاريخها المديد بداية من عام الرمادة فى عهد سيدنا عمر بن الخطاب ومروراً بسنوات العجاف فى عهد سيدنا يوسف والمجاعات المتتالية فى العهود المختلفة مثل عهد الدولة الفاطمية ووصولاً إلى العهد الملكى ثم العهد الجمهورى الحالى وبقدر عمق التعايش الهادئ، الذى شهده كل من عاش على الأرض المصرية.. فكراً وسلوكاً وفلسفة وعملاً على مر العصور، بقدر ما ظل الشعب المصرى بشبابه ورجاله وأطفال ثابتاً على الحق وعلى المبادئ التى أرساها بدمه فى مختلف الحروب التى خاضها ضد العدو ولطخة بدماء شهدائه الطاهرة معظم الأراضى المصرية، لذا فإن الأصابع الأجنبية عادة ما تستغل العوامل الداخلية لتلقى بالزيت على النار، مثلما يحدث فى ميدان التحرير من ما يشبه حرب العصابات الدولية فى مدينة شيكاغو مثلاً، بين المصريين بعضهم وبعض، فتزيدها الصحافة والإعلام المرئى والمسموع اشتعالاً عند أول احتكاك.. بالأمس كان الإنجليز واليوم ربما الأمريكيون والإسرائيليون والوهابيون والقاعدة ومعهم بعض المنابر الإعلامية والصحفية التى تسير فى ركاب المشبوه.. وتروّج المعلومات الخاطئة والأفكار المنحرفة والآراء المضللة.. فقد ساعد هامش الديمقراطية الذى نعيشه حالياً أن تكون المعلومات المتاحة عن الأحداث موجودة إلى حد ما، فالذى تحجبه وسائل الإعلام الحكومية تنشره وسائل الإعلام الحزبية والخاصة أو المستقلة وما لا يقال كحقائق تتناوله الشائعات بالتضخيم والمبالغات وإذ بالنار تسرى فى الأعماق حتى لو بدا السطح هادئاً فى بعض الأحيان، لذلك فكل يوم تثبت الأحداث أنه لا غنى عن إقرار الديمقراطية الحقيقية وحرية النقد والتعبير والتفكير وحرية الإعلام فى أن يعرض الحقيقة وليس الأكاذيب وإقرار العدالة الاجتماعية داخل المجتمع وأن يعتبر كل مسئول فى الدولة بداية من رئيس الجمهورية حتى أصغر مسئول أن فى يديه أمانة هى مصر وأنه مسئول عن هذه الأمانة التى سوف نسأل عنها يوم القيامة.. فسيدنا عمر قال: "لو تعثرت دابة فى العراق لسئل عنها عمر".. ولابد من الاعتراف بالواقع والإقرار بالحقيقة، فالواقع والحقيقة يؤكدان أن هناك توتراً فى عديد من قرى مصر ومدنها بين الناس فى كل المحافظات بسبب الفقر الشديد الذى يعانون منه وقلة وجود الخدمات وعدم احترام آداميتهم وعدم وجود فرصة عمل أو مصدر دخل مناسب لهم.. كما أن الدولة تبذل مجهود ولكنه لا يصل إلى المستحقين وينعم به فقط أصحاب الحظوظ من المقربين.
وقد تكون هناك الشائعات المعدة سالفاً التى تتناقلها الألسنة فى المجالس أو تنشرها المنشورات المطبوعة كالصحف الصفراء فى الشوارع، وبعض القنوات العربية والأجنبية التى ما أن ترى جنازة وتتمادى فيها بالصراع والتهويل، التهوين أحياناً.
فلابد من وضع ضوابط على تناول الإعلام للملفات الساخنة والحساسة داخل المجتمع لاسيما ملف الفساد المجتمعى والبطالة والخدمات والرواتب والحريات والانتخابات والوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط.. وعدم الانجراف وراء العاطفة الجياشة خاصة فى الأمور المصيرية التى تتعلق بمستقبل البلاد.
فقد اهتم الإعلام الحكومى من صحف ومجلات وقنوات بالغناء للحكومة والثناء على كل ما تقوم به بدون نقد أو تحليل وتخفى العديد من الوقائع عن الناس وتهون من الأمور الهامة الحيوية مثل أيام الانتفاضة الشعبية المصرية ضد الفساد والحكم التى انطلقت فى عيد الشرطة 25 يناير الحالى واستمرت أيام بعدها والغناء للوحدة الوطنية وعرض صور المسئولين والمشاهير وهم يتعانقون ويبتسمون أمام الكاميرات دون الاهتمام بتجفيف دموع أهالى ضحايا حادث كنيسة القديسين ومن قبلها حادث نجع حمادى والمنيا وغيرها من القتلى والمصابين .. فمع كل أزمة تكشف عن عمق التخلف وشراسة التزييف والتضليل الذى تمارسه حكوماتنا بسيطرتها على المعلومات والإعلام والهواء الذى نتنفسه كل يوم! فنحن نحتاج إلى حرية أكثر وديمقراطية أكثر وتنفيذ ورد فعل على كل ما ينشر ويذاع ويبث عبر وسائل الأعلام المختلفة ولا نكتفى ببرامج التوك شو الفضائية بالرغم أهميتها إلا أنها أصبحت تلعب دوراً كبيراً فى تنويم الشعب بمكالم – جمع مكلمة – وحوارات وكلام حق ولكن يردون به باطل! وصحف معارضة بعضها مأجور يلعب لصالح الحكومة، فإذا نظرت على تغطية قناة الجزيرة للحادث المصرى وتغطية باقى قنوات الإعلام الحكومى سوف تجد الفارق بنفسك.. والنظام نجح فى إخصاء الإعلام المصرى لصالحه تماماً!![/center]